عبر الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد مدني عن تطلعه لأن تتيح قمة إسطنبول فرصة لطي صفحة الخلافات الثنائية بين بعض الدول الأعضاء في المنظمة، والتركيز على التحديات المشتركة. وقال في الجزء الثاني من الحوار الشامل الذي أجرته «عكاظ» معه، إن منظمة التعاون تعي جيدا الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي والتي تقتضي مواجهة التحديات وتعبئة الإمكانات وتدبير الموارد البشرية والطبيعية لتحقيق تطلعات الشعوب إلى مستقبل أفضل تنعم فيه بالحرية والسلم والكرامة.
وحول التصدي لظاهرة الإرهاب قال مدني: إنه لا يتحقق بالوسائل الأمنية والعسكرية وحدها، لافتا إلى أنه لا بد من فهم وتحليل وتقصي ومواجهة الأبعاد المتعددة لهذه الظاهرة، وفي مقدمتها السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي توفر الظروف المواتية لتفشي الإرهاب والتطرف العنيف. وشدد على ضرورة بحث اختراق جهات خارجية للجماعات الإرهابية وتوجيهها لخدمة أجنداتها الخاصة. وفيما يلي نص الجزء الثاني من الحوار:
? ما الذي يحول دون أن نشهد منظمة للتعاون الإسلامي فاعلة قوية وليس مجرد منظمة بروتوكولية للاجتماعات وتنسيق المواقف؟
?? الإشارة إلى أن المنظمة منظمة بروتوكولية، وصف غير دقيق وغير منصف وخاطئ، ومن يدعي ذلك، كسول في متابعته لأعمال المنظمة وأجهزتها. وأدعوك إلى مراجعة مواقف المنظمة ودورها؛ فالمنظمة تعي جيدا الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي والتي تقتضي مواجهة التحديات وتعبئة الإمكانات وتدبير الموارد البشرية والطبيعية لتحقيق تطلعات الشعوب إلى مستقبل أفضل، تنعم فيه بالحرية والسلم والكرامة، وتكرس فيه الطاقات. فالمنظمة تقدم أنشطة كثيرة أخرى، إلى جانب العمل السياسي خاصة في المجالات الاقتصادية والإنسانية والثقافية والاجتماعية والعلوم والتكنولوجيا.
كما أضحت المنظمة طرفا لا غنى عنه على المستوى الدولي في العديد من المجالات، ولاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، وحوار الحضارات، والدفاع عن صورة الإسلام ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا. ولقد أرسينا في هذا الصدد أسس علاقات التعاون مع المنظمات الدولية وعلى رأسها منظومة الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية في العالم الغربي وأفريقيا والعالم العربي وآسيا، وأنشأنا علاقات مع مراكز المفكرين في أوروبا والولايات المتحدة لعرض وجهات نظرنا والدفاع عن قضايانا. ونجحنا في الاستفادة من موارد ممثلي الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في الخارج، لتنسيق وتوحيد الجهود الرامية إلى دعم القضايا الإسلامية العادلة. ونجحنا إلى حد كبير في تنسيق أنماط تصويتها في المحافل الدولية، إذ ضمنا بذلك إنشاء كتلة اقتراع إسلامية قوية بشأن القضايا ذات الأهمية الحيوية لنا وكذلك عززنا حضورنا في أوروبا من خلال فتح بعثة للمنظمة في بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي.
كما تواصل المنظمة خطواتها الجريئة للّحاق بركب التطور المؤسساتي، فعملية الإصلاح الداخلي وإعادة الهيكلة بهدف تفعيل دورها وتجديد طرحها وأساليب تعاملها مع الأحداث والجمهور المستهدف مستمرة.
طي الخلافات
? ما هو دور المنظمة في الخلاف السياسي بين مصر وتركيا وهل ثمة توقعات بأن تشهد القمة نوعا من المصالحة بينهما خصوصا وأن مصر ستسلم تركيا رئاسة القمة؟
?? ما من شك أن الخلافات الثنائية بين الدول الأعضاء تؤثر على عمل المنظمة. وقد تحد من قدرة المنظمة على مواجهة التحديات، واستكمال العمل المشترك. ولذلك نأمل أن تكون قمة إسطنبول فرصة لطي الخلافات والتركيز على التحديات المشتركة، ونحن نعمل على أن تكون المنظمة، منصة تجسر الخلافات الثنائية وأن يستفاد من الآليات الموجودة فيها من أجل تجاوز هذه الخلافات.
وتتطلع المنظمة إلى تطبيع كامل بين كافة الدول الأعضاء، استنادا لما نصّ عليه ميثاق المنظمة، الذي يدعو إلى علاقات طبيعية، والاحترام المتبادل، بما يكفل تحقيق الاستقرار والازدهار والتنمية لشعوبها. وهنا أرغب في أن أشير إلى أن أي وساطة تقوم بها الأمانة العامة للمنظمة في خلاف بين دولتين، لا تتم إلا من خلال تكليف واضح من قبل الدول الأعضاء وبموافقة الطرفين المعنيين.
? مرت 47 عاما على إنشاء المنظمة التي تضم 57 دولة بهدف حماية المصالح الحيوية للمسلمين، لكن للأسف المحصلة تبدو مخيبة للآمال، فالمسجد الأقصى ما يزال محتلا. والخلافات تضرب بقوة في أوساط الدول الإسلامية. فهل لديكم خطة محددة لمعالجة هذا الخلل؟
?? لو سلمنا بهذا المنطق، لقررنا فشل كل المنظمات الدولية. ولا أعلم من أين قفزت إلى نتيجة أن محصلة إنجازات المنظمة تبدو مخيبة للآمال وأن المسجد الأقصى مازال محتلا، لأن المنظمة لم تقو على تحريره! فالمنظمة شأنها شأن المنظمات الأخرى مرت بمراحل مختلفة حتى وصلت إلى هذا المستوى المتطور. ويبقى النجاح الكبير أنها حافظت على استمرارها كمحفل دولي مهم للدول الأعضاء تعمل من خلاله على خلق أطر التشاور والتنسيق وتوثيق التعاون المشترك عبر العديد من الآليات والأجهزة التي أنشأتها والتي يأتي على رأسها البنك الإسلامي للتنمية الذي أنشئ بقرار من المنظمة، إذ ظل ومنذ إنشائه يقوم بأدوار كبيرة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء. وغير ذلك من الأجهزة ومراكز الأبحاث والجامعات واتفاقيات التبادل التجاري، وتأطير سبل التعاون في مجالات التنمية المستدامة، وتمكين الجماعات المهمشة، وتعميق التبادل العلمي والثقافي والشبابي.
النهوض بالمرأة
? هل أنتم راضون عن وضع المرأة المسلمة وما هي خطة المنظمة للنهوض بها؟
?? بالنسبة لوضع المرأة المسلمة، بالرغم من التحسن الذي تشهده العديد من الدول الأعضاء ما زلنا بعيدين عن بلوغ المكانة التي خصصها الإسلام لها ومستوى المشاركة السياسية والاقتصادية المنشود في الشأن العام وفي القطاع الخاص والمجتمع المدني وفقا للمعايير الدولية.
بالفعل تحققت للمرأة المسلمة إنجازات ومكاسب مهمة من بين أمثلتها غير الحصرية :
?? زيادة نسبة المشاركة السياسية للمرأة المسلمة وعلى أعلى المستويات إذ أصبحت ممثلة في الهيئات التشريعية وفي الحكومات بل إن من بينهن وزيرات خارجية ورئيسات حكومات.
?? حضور المرأة المسلمة في القطاع الخاص وفي المجتمع المدني، إذ نجد النساء المقاولات ورؤساء الشركات والمؤسسات الاقتصادية والفاعلات في المجتمع المدني.
?? سن التشريعات الخاصة بحماية المرأة وتشجيع مشاركتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أغلب الدول الأعضاء إن لم يكن في جميعها. وهنا أشير إلى أن منظمة التعاون الإسلامي قامت بإحداث منظمة تنمية المرأة التي ينتظر أن تشكل إطارا تعمل من خلاله المنظمة على صيانة وتدعيم المكتسبات التي تحققت للمرأة والعمل على رفع التحديات والعقبات التي مازالت تواجهها.
وفي ما يتعلق بخطة منظمة التعاون الإسلامي للنهوض بالمرأة ، تبنت المنظمة قضية المرأة ضمن أهم أولوياتها. ووضعت في سبيل النهوض بها العديد من البرامج والخطط وعقدت الكثير من الاجتماعات على أعلى المستويات. بدأ ذلك في الخطة العشرية الأولى 2005-2015 التي أسست لتمكين المرأة، وركزت الخطة الثانية 2016-2025 على أهمية تمكين المرأة اقتصاديا وتعزيز دورها ومشاركتها الفعالة.
وفي هذا الإطار أنشأت المنظمة مؤتمرا وزاريا خاصا بدراسة وضع المرأة وتقييم جهود الدول الأعضاء كل سنتين في هذا المجال. كما أنشأت المنظمة جهازا متخصصا مقره في القاهرة لمتابعة تنفيذ الخطة إلى جانب الآليات الوطنية العاملة في هذا المجال.
كما قامت منظمة التعاون الإسلامي بتقييم وتحديث الخطة الآنفة الذكر بما يتوافق مع تطلعات المنظمة والدول الأعضاء، والتحديات التي تواجهها المرأة والأسرة والأطفال في المجتمعات الإسلامية. وأخذت بعين الاعتبار أهداف التنمية المستدامة لهيئة الأمم المتحدة 2030. وهكذا أصبحت لمنظمة التعاون الإسلامي خطة عمل من أجل النهوض بالمرأة قياسا على المعايير العالمية، تسعى لتحقيق المشاركة في صنع القرار والحصول على الصحة والتعليم والتمكين الاقتصادي والحماية الاجتماعية والحماية ضد العنف في حالة الأزمات والنزاعات المسلحة والكوارث. كما تهدف الخطة إلى تعزيز دور المرأة في حل النزاعات وتحقيق السلم والأمن.
مواجهة الإرهاب
? كيف تردون على من يقولون أن جميع حركات الإرهاب والتطرف إسلامية من داعش إلى القاعدة؟
?? المنظمة ترفض رفضا قاطعا محاولات ربط الإرهاب بأي بلد أو جنس أو دين أو ثقافة أو جنسية وتتمسك بموقفها المبدئي ضد الإرهاب بجميع أشكاله وتجلياته، مهما كان من اقترفه وحيثما وقع. وتعتز المنظمة بسجلها الحافل والطليعي في التصدي للإرهاب كما تنص على ذلك مواد ميثاق المنظمة المتعلقة بالإرهاب والتطرف وتعزيز الوسطية، وصكوكها القانونية ذات الصلة، ولاسيما مدونة قواعد السلوك حول مكافحة الإرهاب الدولي التي تم إقرارها في عام 1994؛ ومعاهدة منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي للعام التي أقرت عام 1999. وترى منظمة التعاون الإسلامي أن التصدي للإرهاب لا يمكن أن يتحقق بالوسائل الأمنية والعسكرية وحدها، بل لابد من فهم وتحليل وتقصي ومواجهة الأبعاد المتعددة لهذه الظاهرة، وفي مقدمتها السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي توفر الظروف المواتية لتفشي الإرهاب والتطرف العنيف، مثل الحرمان الاقتصادي، والإقصاء، والاستلاب، والتهميش، والتفكيك القسري للمؤسسات السياسية والقانونية والأمنية والاجتماعية والثقافية. كما تتبنى المنظمة موقفا يؤكد على ضرورة الإقرار والاعتذار عن الظلم الذي لحق بالشعوب التي عانت تحت جور الاستعمار. وأن من حق الشعوب التي مازالت تحت الاحتلال، أن تقرر مصيرها . كما تثير المنظمة الانتباه إلى ضرورة بحث احتمال اختراق جهات خارجية للجماعات الإرهابية والمتطرفة وتوجيهها لخدمة أجنداتها السياسية الخاصة؛ وإلى أن ننظر إلى أي حد ساهمت التغطية الإعلامية الرعناء والمتحيزة إيديولوجيا في توسيع الهوة بين الأديان والثقافات والأجناس والمجموعات العرقية.
ويجب ألا ننسى أن المسلمين يعانون من ويلات تلك الجماعات التي رهنت الإسلام بقراءاتها الضحلة للنصوص الدينية. وفي ذات الوقت الذي يتعرض فيه المسلمون للاتهامات وادعاءات الأحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة، ولأصوات الإسلاموفوبيا، وكلها تشوه صورة الإسلام والمسلمين وتحملهم وزر ما يعانيه العالم من ويلات. كما كان المسلمون هدفا تاريخيا وآنيا للاستعمار التقليدي، والاستعمار الجديد والخطاب السياسي لليبيرالية الجديدة. لهذا فإن منظمة التعاون الإسلامي تقف في الصفوف الأولى في كل جهود مكافحة الارهاب بأبعاده وسياقاته المتعددة، ومصادر دعمه، وجذور خطاباته.
فض النزاعات
? الى أين وصلت الجهود بشأن تشكيل وحدة لفض النزاعات ومنع وقوعها؟ وكيف يمكن لمنظمة التعاون الإسلامي التحرك السريع والفاعل لمنع نشوب النزاعات والحيلولة دون تفاقمها؟
?? للمنظمة مبادرات ناجحة وقامت بالعديد من الوساطات التي يشهد الجميع بنجاحها لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في بعض الدول أو بين دول أعضاء. وعلى سبيل المثال أذكر المصالحة في مالي. وتعمل المنظمة على المتابعة عن كثب للأوضاع السائدة في المنطقة ولها مبعوثون خاصون في بعض المناطق التي تشهد نزاعات مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وميانمار. كما أن لها مكاتب وبعثات في بعض أنحاء العالم تؤمن نقل المعلومات بطريقة موثوقة وموضوعية بعيدا عن أي تقارير مغلوطة أو متأثرة بما يسود في بعض وسائل الإعلام.
أقول هذا لأن دور المنظمة لحل بعض النزاعات يستند أساسا إلى المعلومات الموثوقة بها وعلى التعاون أيضا مع الحكومات بما يصبغ على تحركاتها طابعي الشرعية والجدوى. استمرار النزاعات أو القضاء عليها لا يتعلق بفشل الجهود أونجاحها من قبل المنظمات الدولية أو الإقليمية، وإنما يتعلق أساسا بمدى احترام الفرقاء لاتفاقاتهم ومدى توفر عامل الثقة بينهم، وكذلك قدرتهم على تقديم تنازلات في مواقفهم لخدمة مصلحة شعوبهم وتوفير إطار دائم للوفاق. الأمر يتجاوز منظمة التعاون الإسلامي التي يمكن أن تكون ضامنا في أحيان معينة لكن نجاح الجهود يرتبط بعوامل أخرى داخلية بصفة رئيسية وأيضا عوامل خارجية تفرضها الأحداث وتشابك المصالح.
مقاربة جديدة
? هل تلعب المنظمة دورا في إحداث تقارب بين إيران والدول العربية في ظل الأوضاع المأزومة التي تمر بها المنطقة؟
?? المنظمة حريصة كل الحرص على أن تسود العلاقات الودية والمتينة بين الدول الأعضاء، خصوصا وأن التحديات الموجودة الآن والتي تجابه السلم والأمن تجعل المنطقة لا تحتمل المزيد من التوترات والمواجهات وتأجيج الفتنة الطائفية، لذلك حرصت المنظمة ولا تزال على ألا يكون هناك احتقان مذهبي لأن ذلك لا يخدم أحدا، وسوف يتضرر الجميع بهذا الصراع.
وكما ذكرت من قبل فإن التوصل إلى مقاربة جديدة بين دول المنطقة لحل النزاعات في الإقليم من شأنه أن يؤسس لعلاقات ودية بين الدول لخدمة المصالح المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة لشعوب المنطقة.
نظرة واقعية
? بصراحة أين أخفق الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حتى الآن وأين نجح؟
?? لا يحتاج الأمر إلى صراحة وإنما إلى نظرة واقعية وموضوعية للأمور. الأمانة العامة تقدم تقريرا مفصلا حول مختلف الأنشطة التي قامت بها في إطار القرارات الصادرة عن القمة والاجتماعات الوزارية، والدول الأعضاء تنظر في هذا التقرير وتدرس مختلف جوانبه.
وكم كان بودي أن يكون نطاق اهتماماتك وأسئلتك قد طال جميع أقاليم الدول الأعضاء في المنظمة، في جنوب شرق آسيا، وشرقها، ووسط آسيا وغرب أفريقيا وشرقها بدلا من أن تدور وتتمحور حول إقليم واحد يعاني من انهيار منظومة الأمن بين دوله.